الطريق إلى النضج الروحي
الدرس الثالث
قداسة الله
هل اختبرت يوما أن تجلس في هدوء عند قدمي الرب مثل مريم وتقرأ في كلماته متأملاً في اختبارات وكلمات رجال الله القديسـون المسوقين بالروح القدس (٢بطرس 21:1) فبدأ موسى يرنم قائلاً " مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ" (خروج ١٥: ١١)، وإشعياء الذي يرى مجد الرب فيهتف " قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ " (إشعياء ١٢: ٦)، وها هو يشوع يخاطب شعبه قائلاً: "لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْبُدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ إِلهٌ قُدُّوسٌ" (يشوع ٢٤: ١٩) وتمُـر سنوات طويلة وترنم حنة حين استجاب الرب صلاتها فتقول: " لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ " (١صموئيل ٢: ٢٠)، أما مرنم إسرائيل الحلو داود فيغني "وأنت القدوس الجالس بين تسبيحات إسرائيل.. لأننا على اسمك القدوس قد اتكلنا تفرح بك قلوبنا" (مزمور ٢٢: ٣، ٣٣: ٢١، مزمور ٨٩: ١٨، ٩٩: ٣) أما حبقوق يقول عنه: " عَيْنَاكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ " (حبقوق ١: ١٣(
دارسة سريعة من سفر اللاويين عن القداسة العملية
اختار الله سفر اللاويين لنتعلم أعظم دروس القداسة، ففي البداية اختار الرب سبط لاوي (ومعنى لاوي: اقتران - تكوين ٢٩: ٣٤). "أَمَّا سِبْطُ لاَوِي فَلاَ تَحْسُبُهُ وَلاَ تَعُدَّهُ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. بَلْ وَكِّلِ اللاَّوِيِّينَ عَلَى مَسْكَنِ الشَّهَادَةِ وَعَلَى جَمِيعِ أَمْتِعَتِهِ وَعَلَى كُلِّ مَا لَهُ ... قَدِّمْ سِبْطَ لاَوِي وَأَوْقِفْهُمْ ... لْيَخْدِمُوهُ. ، فَيَحْفَظُونَ شَعَائِرَهُ ...، وَيَخْدِمُونَ فَيَحْرُسُونَ ... بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ" (عدد ١: ٤٧ ـ ٥٤، ٣: ٦، 7، 8، 11) أفرز الرب سبط لاوي (تثنية ١٠: ٨، و١أخبار الأيام ١٥: ٢، عدد ٨: ١٤) وصارت عائلة هارون مسئولة عن خدمة الكهنوات، لذا أعطاهم الرب كل الترتيبات بشأن الحياة، والأكل والذبائح، والملابس.. اختارهم الرب ليحيوا حياة مختلفة لخدمته، والتكريس لشخصه...
تَطَهَّرُوا يَا حَامِلِي آنِيَةِ الرَّبِّ (إشعياء ٥٢: ١١)
اختار الرب مجموعة صغيرة لم يتجاوز عددها خمسة أفراد لخدمة الكهنوت في البرية. سريعـًا ما نقصت إلى ثلاثة (لاويين ١٠)، وكان لا بد من تكريسها لإقامة الشعائر والترتيبات فتحدث الرب مع موسى بجهة هذا الأمر (خروج ٢٨: ٣١ ـ ٤٣، ١٩: ١ ـ ٤٦).
تعال معي نستعرض سريعـًا بعض الشروط التي حددها الرب فيمن سيخدموه... ولا ننسى أبداً أن الناموس ظل الخيرات العتيدة (عبرانيين ١٠: ١)، أي إن ما جاء في العهد القديم فهذا الشأن رمزاً لما سيحدث في العهد الجديد.
1. مولودين من نسل هارون.. أي من سبط لاوي
" يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ... اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ " (يوحنا ٣: ٧، ١: 13).
٢. لا ينجسوا أنفسهم بلمس ميت
" لأَنَّ اللهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي الْقَدَاسَةِ " (١تسالونيكي ٤: ٧).
الموت عكس الحياة ويسوع هو الحياة أما إبليس فهو مصدر الموت (يوحنا ٨: ٤).
٣. " لاَ يَجْعَلُوا قَرْعَةً فِي رُؤُوسِهِمْ" (لاويين5:21)
هذا المسلك كان شائعـًا بين الأمم كإكرام لأحد أصنامهم، وهنا يريد أن ينبههم أنهم مختلفين عمن حولهم، فلا يشالكوا هذا الدهر (رومية ١٢: ٢، تثنية ١٤: ١، ١تسالونيكي ٤: ٣).
٤. لا يأخذ امرأة زانية أو مدنسة أو مطلقة من زوجها
لأن الزوجة لها تأثير في حياة زوجها وأولادها "مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ" (١كورنثوس ٦: ١٦).
"لأَنَّ كُلَّ رَجُل فِيهِ عَيْبٌ لاَ يَتَقَدَّمْ. لاَ رَجُلٌ أَعْمَى وَلاَ أَعْرَجُ، وَلاَ أَفْطَسُ وَلاَ زَوَائِدِيٌّ، وَلاَ رَجُلٌ فِيهِ كَسْرُ رِجْل أَوْ كَسْرُ يَدٍ، وَلاَ أَحْدَبُ وَلاَ أَكْشَمُ، وَلاَ مَنْ فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ، وَلاَ أَجْرَبُ وَلاَ أَكْلَفُ، وَلاَ مَرْضُوضُ الْخُصَى." (لاويين 21: 18-20)
٥. الرجل الأعمى
كانت أحدى وظائف الكهنة فحص الذبائح، بتدقيق للتأكد من خلوها من العيوب، وهذا يلزمه رؤية جيدة كما كانت الشريعة تطلب من فم الكاهن فكيف لأعمى أن يقود أعمى (متى ١٥: ١٤). وحين تحدث الرب بهذه الكلمات كان يقصد العمى الروحي للفريسيين الذين كانوا يقودون الناس للهلاك (متى ٢٣: ١٦ ـ ١٧)، وهذا أيضاً يذكرنا بما قاله ملاك كنيسة اللاودكيين (رؤيا ٣: ١٧)، ولمن يبغض أخاه (١يوحنا ٢: ١١)، ولمن أعماهم إله هذا الدهر (٢كورنثوس ٤: ٤، أفسس ٤: ١٨، وأشعياء ٥٦: ١٠، و١تيموثاوس ٣: ٢، ٣)
6. الأعرج
يسير في خطوات متقطعة، غير مستقيمة، أما القديسين عليهم أن يسلكوا كما يحق للرب كما سلك يسوع (كولوسي ١: ١٠، ١يوحنا ٢: ٦، أفسس ٦: ١٥)، وكلمة الرب هي التي تسير خطواتنا في طريق الرب باستقامة (مزمور ١١٩: ١٠٥، نشيد ٧: ١).
٧. الأفطس flat nose
الأنف المسطحة وهناك ترجمة أخرى (الأنف الشديدة الصغر أو الكبر أو الالتواء الحاد والانحناء) الأنف هو العضو المسئول عن الشم لتأمين الجسد كله من مخاطر قاتلة، فإن كانت غير صالحة لهذا الدور سيواجه الإنسان متاعب قد تكون خطيرة. هكذا المؤمن أيضاً إذا لم تكن له أنف صالحة سيذهب لأماكن وسيسمع أحاديث غير لائقة، كما تجلب الأنف متاعب لمن يتداخل في أمور غيره بالفضول (١بطرس ٤: ١٥(
٨. زوائدي (إي شيء زائد وغير ضروري)... هؤلاء الكهنة كانوا مثالاً ليسوع وكنيسته حتى يُـعدها لتكون بلا عيب ولا غضن (أفسس ٥: ٢٧).
٩. كسر رجل.. الرجل المكسورة لا يمكنها السير بصورة صحيحة بدون سند خارجي كالعكاز مثلاً. أسأل نفسك: هل تعتمد في مسيرتك على شيء خارجي تستمد منه قوتك وأمانك؟ هل تعتمد على فهمك، أم عينينك على الرب وسراج لرجلك كلامه (أمثال ٣: 21، ٢٢، مزمور ١١٩: )
لا تنسى أن الرب أعطاك السلطان أن تدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو.. وأن إله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلك سريعاً فكن مستعداً. حاذين أرجكم باستعداد إنجيل السلام... فما أجمل أقدام المبشرين بالخيرات (لوقا ١٠: ١٩، ورمية ١٦: ٢٠، أفـسس ٦: ١٤، ١٥، رومية ١٠: ١٥).
١٠. كسر اليد.. ما هو المعنى الروحي هنا
اليد المكسورة عاجزة عن أن تُـرفع للصلاة، أو تمتد لمعونة محتاج ولا تقدر أن تعمل لتسد احتياج من حولها (أمثال ١٠: ٤). الرب يده قوية، غير عاجزة (إشعياء ٥٩: ١، عزرا ٧: ٢٨)، ولا يريد لخادمه أن يكون مكسور اليد. بل وعد أن يزيد قوة الطاهر اليدين (أيوب ١٧: ٩).
فلا مكان ليد مرتخية في الخدمة أو يد تعمل عمل الرب برخاوة.
10. أحدب: إن كان الظهر منحني فالجسم كله ينزل عن مكانته السليمة، والرب أسلم ظهره للضاربين ليستقيم كل ظهر منحني وغير مستقيم مثل زكا، واللص اليمين، وشاول، وبطرس ليصيروا نافعين للسيد، بينما بقى عاخان وقورح وأبيناداب، وحنانيا وسفيرا بعيداً عن الشفاء بل في الخزي. واحذر النميمة واغتياب الشخص في ظهره التي حذر منها بولس أيضاً
١١. أكشـم (قزم) إعاقة عن النمو والحجم الطبيعي : من كان في خدمة الكهنوت لابد وأن يأتي صورة وحجم والديه والمعنى الروحي هو أن ننمو نحن أيضـًا في الإيمان إلى مثل قامة يسوع المسيح (أفسس ٤: ١٣)، لأن زرعه يثبت فينا (١يوحنا ٣: ٩) لذا ننمو في معرفته (١بطرس ٢: 2، ٢كورنثوس ٣: ١٨).
١٢. بياض في عينيه.. الكاهن كان مثالاً للرب الذي عيناه كلهيب نار (رؤيا ١: ١٤). ولا شيء يختفي عنه. لذا العين التي بها عيب لا تصلح لتبعية الرب في القداسة، لأن سراج الجسد هو العين (متى ٦: ٢٢ ـ ٢٤) والإشارة للعين بالسراج، يجعل هناك ارتباط وثيق بين الزيت الذي يعني السراج، والضوء أي رؤية الأمور، ولكي تضمن أن عينيك دائماً صالحة للرؤية تحتاج للزيت، الروح القدس المستمر. ويحذرنا الرب من خدمة العين (أفسس ٦: ٦، كولوسي ٣: ٢٢) فمن يدعم عليه أن يرى الرب القادر أن يملأ كل احتياج بحسب غناه. إذ لم ير الرب بقداسته فلن يصرخ مثل إشعياء (أشعياء ٦: ٥) إلهنا القدوس الذي له سبعة أعين (رؤيا ٥: ٦، زكريا ٣: ٩).
من لا يبصر جيداً. كيف يخدم الرب؟؟ كيف يرى النفوس كما يراها الله؟؟
كن يقظاً لعدم الإيمان الذي يُـقسي القلب فيعتم العين عن الرؤية السليمة
(مرقس ٨: ٥ ـ ١٨).
13. الجرب أو الكلف .. هذا المرض عبارة عن تلوث في الدم، يعطي أعراضاً خارجية في الجلد. تماماً مثل الخطية التي تسكن في القلب فتنجس الضمير بل والكيان كله، لذا لم يكن الأجرب صالحاً للخدمة بسبب تلوث دمه (داخلياً). أما في العهد الجديد فدم يسوع المسيح الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ (رؤيا ١: 5) وطهر ضمائرنا من الأعمال الميتة فصرنا قريبيين للآب بدم ابنه وقدسنا أيضاً (أفسس ٢: ١٣، عبرانيين ٩: ١٣، ١٤، ١٣: ١٢).
١٤. مرضوض الخصي (غير قادر على الإنجاب)
في العهد القديم كان الإنجاب علامة على البركة أما العقيم الذي سيحرم أن يأتي من نسله المسيا المنتظر فكان كأنه تحت لعنة.. فمن يكهن للرب كان لابد أن يكون قادراً على الإثمار أما في العهد الجديد فقد قال يسوع لتلاميذه " أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ (يوحنا ١٥: 16) لم يعد الإثمارالجسدي هو علامة البركة، - بل وكل غصن يأتي بثمر ينقيه ليثمر أكثر.
بعد قراءتك لهذا الموضوع أدعوك أن تقضي فرص صلاة أمام الرب ليعلن لك الروح القدس في داخلك عن مشيئته الصالحة الكاملة المرضية وهي قداستك
اتركه ينقي حياتك لتعاين مجده فبدون القداسة لن يعاين أحد الرب (عبرانيين ١٢: 14).
لا تنس أن رجل الله هو من كان تحت تصرفه دائمـًا ولا تنس القداسة العملية وأن تعتني بأمور حسنة قدام جميع الناس، سالكـًا بتدقيق وبحكمة ولياقة كما يحق للدعوة التي دعيت إليها ولنرنم قائلين "احفظ حياتي... ليكون تكريسها لها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.